هاربة أنا..

هاربة أنا
من كتب البشرية
من الحصة الدراسية
من المحاضرة الجامعية
من المقاعد الخشبية
من الألواح من الطباشير
من الأقلام
من صوت معلمي
و من صراخ أستاذي الجامعي
هاربة من محاضرة المحاسبة
محاسبة التكاليف
……
هاربة أنا
من جدران الصف
من جدران المدرج
من كل الجدران
أكره الجدران
أكره السجون
كلها تتعبني , ترهقني , تحولني
إلى آلة غبية حمقاء تسطر
ما يقال …حتى النقطة تسطر
………
هاربة من نعاس الطلبة
من صوت الموبايل
الذي يرن ثم يرن
لعله يوقظ النائمون
و يسكت المتحدثون
المتذمرون
….
هاربة أنا
إلى موعدي الجميل
إلى حريتي
إلى محاضرة أعشقها
……
هاربة أنا
إلى أجمل مواعيد الغرام
إلى أهم دروس في الحياة
……
هاربة من البشر
ليس إلى بشر
هاربة من السجن
ليس إلى سجان
…..
هاربة أنا
إلى من أحب
إلى من يعلمني بمحبة
و يحدثني بهدوء
و أصغي إليه باهتمام
إلى الله الذي أحب
كل دروسه كلها أعشقها
….
هاربة أنا
من محاضرة التكاليف
رفاقي هناك يجلسون يتعلمون
طريقة حساب التكاليف
وكيف نخفض التكاليف
إلى أدنى حد
أصدقائي اعذروني
فأنا أكره الأرقام
لا تروق لي
لا أدري لماذا؟
ربما لأن أستاذي يعاملني
كرقم يحدد به عدد الطلاب
أنا لست رقم يزيد الآخر
أنا من اكتشفت الأرقام
لما تحولوني إلى رقم بائس
…..
هاربة أنا
و لا تهمني المحاضرة
سأدرسها بمفردي
و سأفهم و سأنجح
كما نجحت في كل
الامتحانات
لا أخاف من الرسوب
بيني و بين الرسوب عداء
من صفوف الابتدائي
أعرف كيف أسخر من
كتبي المدرسية
لن تهزمني
لا محاسبة التكاليف
ولن أدفع أي تكاليف
…..
هاربة أنا
تاركة ورائي كل الجدران
ورميت بنفسي بين أحضان
الطبيعة يالله كم الفرق كبير
بين محاضرة هاربة منها
وبين محاضرة آتية إليها
فعلاً الفرق كبير
أفكر لو أنني الآن في
المحاضرة المملة , الباردة
التي لا يوجد فيها سوى
الكلام..ثم الكلام
أرقام ثم أرقام
هنا أعد العصافير
و لا يهمني كيف أعدها
منذ زمن لم أشعر بهذا
الهدوء ..الطلاب بالقاعات الدراسية
وأنا وحدي هاربة من الضجيج
هم يتعلمون هناك درس في المحاسبة
و أنا هنا أتعلم درس في الحياة
درس بمنتهى الهدوء
هدوء يلف المكان
تشعر أنك بعالم كله نور
بعيد عن كل الوجوه
هذه هي طبيعتي
الغريبة , المختلفة
هكذا كنت منذ الابتدائية
ثم زادت في الإعدادية
و تفاقمت بالثانوية
كنت أجبر نفسي
على تحمل كل الكتب
و أجتاز امتحاناتي
ببرودة أعصاب
الجميع كان يقول
أنني غريبة , باردة
كيف لا تخافين الامتحان؟؟
لا أدري لماذا …ربما
لأنه لم يكن يهمني
لا أجده يحرضني
و لا يدهشني
و لا يختبرني
كنت أشعر بنفسي
أراقب الطلاب أكثر من ورقتي
كنت دائماً أحب معرفة شعور
الطلاب أثناء الامتحانات
دائماً كنت ألحظ الخوف , القلق
وكأنهم ذاهبون إلى محاكمة
قليلة هي مشاعر الخوف التي
كانت تنتابني من الامتحان
كنت أقضي نصف ساعة قبل
كل امتحان فقط أمشي
و أراقب الطلاب فعلاً
كنت أحزن عليهم
وعلى نفسي لما هم يخافون؟
و أنا لا ؟
هل حقاً أنا باردة إلى هذا الحد!!
هل حقاً أنني لا مبالية !!
لا أعرف
الشيء المتأكدة منه أنني
لم أحب كتبي المدرسية
وكنت أسخر من نفسي
حين أجبرها على حفظ
أشياء لا تقنعني لا تشبهني
ولكن تعلمت أن أعتبر
كل دراستي المدرسية
و الجامعية وسيلة للوصول
إلى غاية …
كنت أقول بنفسي إنها
مجرد شهادة بائسة
يوماً ما للأسف ستصنفني
بين البشر و تضعني بخانة معينة
قلت بنفسي ليسوا أفضل مني
من يحملوا الشهادات فليكن
إذا كان المجتمع لهذه الدرجة
يحكمنا وفق مقاييس قاسية
بالية تصفنا بطريقة جد قاسية
تعاملنا مثل أي شيء مادي
يحمل ورقة مجرد ورقة
اسمها (( شهادة))
عرفت أن هناك واقع مرير يقول
(( قل لي ما هي شهادتك أقول لك من تكون))
هذا الواقع الذي كنت أرفضه ضمنياً
و أعتبره جد ظالم و يجردني من كوني إنسانة
قررت أن أكون أذكى من المجتمع
و أن أكيف نفسي و روحي و أطلب منها
الصبر و التحمل و الخضوع لمقاييس المجتمع
لأنني قررت التمرد الهادئ جداً
و علمت نفسي كيف أخلق توازن عجيب
و أيقنت أن وفقاً لأفكاري و طريقتي
بالحياة علي أن لا أطلب التفوق في
كل أمور الحياة….
ذات يوم كنت أسير وفق طريقة
أحرق نفسك لتكون نوراً للآخرين
و اذ بمخلوق أزرق يهمس لي
و يقول لي لما لا تكوني نور يضئ
دون أن ينتهي ….
عندها فهمت الرسالة و عرفت
كيف لا أجعل من نفسي شمعة
تحرقها تقاليد و مقاييس المجتمع الظالمة
حينها فهمت حقيقة وجودي
و أنني بإمكاني أن أنير دون أن أحرق
شكراً لملاكي الأزرق الذي أنقذني
و أهداني أجمل هدية
……
كل هذه الأفكار استرجعتها
أثناء هروبي وفكرت كم الله رحيم
لأنه ألهم البشر أبجدية يعبرون
بها و ورق يسطرون عليه أفكارهم
بالفعل كان جدير بنا أن نحول
أوراقنا إلى صفحات مسطرة
بأبجدية السماء أبجدية تعلمنا
دروس في الحياة
و ترتقي بنا نحن البشر
لمرتبة النور
و لكن عبثاُ حولنا أوراقنا
إلى ثقافة تنتج
حروب و دمار
ثقافة تنتج شبه إنسان
و ميزان حق معكوس
و عدالة كاذبة..
و لكن …
رغم كل شيء مازال
صوت الله فينا
و ميزان العدل فينا
لن تعبث به يد إنسان
سنبقى
نميز بين الظالم و المظلوم
حتى لو حكمنا العالم وفق ميزان الإنسان
…..
هاربة أنا
ولكن حان وقت العودة
للصخب و الضجيج و الكلام
الذي يشبه كل شيء إلا الكلام
و لكن قبل عودتي
يجدر بي شكر الله
لأنه علمني الكثير ثم الكثير
يعجز معلم على تقديم لروحي
نقطة مما يقدم الله لي بلقاء
أما محاضرتي الجامعية
سأعوضها هناك في البيت
و لكن لقائي بالله
لا يأتي بكل وقت
وحده الله يعرف المواعيد
يناديني أركض إليه
يحدثني عبر
عصفورة
زهرة
شجرة
نسمة
نجمة

و أعرف كيف أصغي إليه
شكراً لله فاليوم أهديتني
لحظات نادرة اسميها (( ذروة اللقاء))
______________ياسمين علي 25/11/2005




[ تم تحريره بواسطة ياسمين علي on 27/11/2005 ]
المنتديات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.