التعصب الديني في البلدان العربية

سعد الله خليل
يتربع الدين في البلاد العربية على عرش العلاقات البشرية، والمنظومة الثقافية، والقضايا الفكرية. فمنه تُصاغ المناهج التربوية، والقوانين الاجتماعية والسياسية والجزائية، وحتى الاقتصادية، وهو الموجه الأول لعقول العامة، والأكثرية الساحقة من متعلمي البلاد، وهو المحرك والقائد الرئيسي لهذه المجتمعات، التي يسودها ويفتك بها الجهل والفقر والتخلف والخرافات. كما أن التعصب الديني من أكبر المساهمين في زرع الأحقاد، وتأجيج نار البغضاء، ونشوء المنازعات والمطاحنات.
ومنذ أول دولة أموية، حتى يومنا هذا- وباسم الدين، وبدعوى التقرب إلى الله، وتنفيذ أوامره، وحماية تعاليمه- تحكمت بكل بلد من البلدان الناطقة بالعربية، جماعة دينية مذهبية معينة، استأثرت بالثروة والسلطة، والمناصب العليا، والوظائف العامة، وحرمت الآخرين المختلفين عنها دينيا أو مذهبيا، العمل في قطاعات ووزارات معينة، ولم تترك لهم إلا ما فاض عنها من الوظائف العادية. كما شكلت جيشها الخاص لحماية مكاسبها، وفرض سيطرتها، وضمان استمرارها، وكفّرت أتباع الأديان والمذاهب الأخرى، لتبرر سلبهم وقمعهم وسيادتها عليهم، وحرمتهم من حقهم في الثروة والسلطة، وقيدت حريتهم في التعامل مع تراثهم الثقافي، وفي حالات أخرى قضت على تراثهم ذاك.
وحتى يستتب الأمر لهذه الجماعة الحاكمة، ولأبنائها من بعدها، وتحافظ على سيطرتها ومكاسبها، أطلقت، بحجة الوحدة الوطنية، شعار (مناهضة التمييز الديني والمذهبي)، وهو شعار حق يستحق كل التقدير والتأييد، لولا أنهم أرادوا به باطلا، وسخروه لصالحهم، واستخدموه سلاحا لقمع كل احتجاج على تسلطهم، أو معارضة لحكمهم القائم على التعصب والتمييز بين الناس، أو مطالبة بالحقوق والمساواة بين الفئة الحاكمة، وبين غيرهم من أبناء المذاهب الأخرى من مواطني البلاد، الذين سيتهمون في حال الاعتراض والمطالبة، بتقويض الوحدة الوطنية.
وفي مجال ممارسة الشعائر الدينية، أطلق الحكام حرية أتباع مذهبهم في التأليف والنشر والتدريس والدعوة والعبادات والممارسات الدينية، ومنعوا الآخرين، أو ضيقوا الخناق عليهم في ممارسة هذا الحق، وحتى في حق الرد والدفاع عن النفس، وفي حالات كثيرة أطلقوا عليهم أوصافا وتسميات غير لائقة، واتهموهم، وسخروا منهم، ومن تعاليمهم وقناعاتهم وممارساتهم، كما حدث قبل حين في السعودية، حين وجهت بعض الصحف نقدا لاذعا ساخرا من زواج المتعة لدى الشيعة. وفي حين أن جميع أبناء الوطن بمختلف أديانهم ومذاهبهم شركاء في الثروة (من الناحية النظرية)، ويدفعون الضرائب، فإن المساعدات والهبات والمخصصات بمئات الملايين تذهب إلى بناء وتحديث وتجهيز المراكز ودور العبادة والمدارس الدينية التابعة لمذهب الفئة الحاكمة، بينما يحرم أبناء الأديان والمذاهب الأخرى من أي فلس في هذا الاتجاه، وفي بعض البلدان يحرمون من بناء دور للعبادة من مالهم الخاص، بحجة عدم خدش أو المساس بمشاعر الآخرين، كما يحدث في مصر على سبيل المثال بالنسبة للأقباط. وفي بلدان أخرى لا يجرؤ الكثيرون على المجاهرة بدينهم أو مذهبهم، خوفا من تداعيات ذلك عليهم.
وما كان يحدث في العراق من مظالم، قبل سقوط صدام لا يجهله أحد، فقد عاش بعضهم لعشرات السنين مضطهدا محروما، وعاش الآخر منعما مكرما معززا، مما يعني أن ما يدور هناك الآن، من قتل وذبح وتفجير، ليس سوى حرب من أجل الثروة والسلطة، ضمن إطار أي مذهب سيحكم العراق، أكثر بكثير مما هو نضال ضد الإمبريالية والكفر والاستعمار، الذين سبق لحكام العراق وأفغانستان السابقين أن تحالفوا وتعاونوا معهم.
أخيرا لا بد من التنويه أن الجهل والأمية، وما ينتج عنهما من تخلف ثقافي فكري، هما أخطر وأشد الأمراض فتكا بالمجتمعات الإنسانية، فعلى سبيل المثال، بعض القبائل في الكونغو الأفريقية تعتبر نفسها أفضل وأنقى الأجناس البشرية، لسبب بسيط، وهو أنهم، أي أبناء تلك القبائل، يأكلون لحوم أعدائهم البيض، بينما لا يمتلك أعدائهم القدرة على أكل لحومهم.
Saadkhalil1@hotmail.com


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.