نشرت هذه المقالة في 9-7-2004 ووجدت أنها تشهد حوارا مهما، فأعدت نشرها للتنويه إليها
من يراقب الإعلام الإسلامي هذه الأيام يلاحظ أنه يركز على موضوعين دنيويين أساسيين إضافة إلى عدد من المواضيع الدينية الجانبية، والتي تتعلق بالعقائد المختلفة بين الاسلاميين وطوائفهم. الموضوعان الأساسيان هما
1- عداوة الإسلام مع الآخرين، أو كما يقولون "الحملة على الإسلام".
2- المرأة في الإسلام وكيف "أعزها" الإسلام و"حماها"، وخصوصا على دور الحجاب و"تعليم" المرأة و"حقوقها" في الإسلام.
أعتقد أن سبب التركيز على الموضوع الأول واضح، فالإسلام يدخل حاليا معركة شرسة مع عقيدة أخرى هي العولمة لا تختلف كثيرا عنه، ولو أنها أكثر إنسانية وتحضرا، فهي عقيدة حديثة ومدججة بالقيم الإنسانية والحضارية. والإسلام الذي كان في نصف القرن الماضي أداة في يد هذه العقيدة أصبح الآن يشكل بعض الخطر عليها، وبدأت عملية تصفية تشمل تقليم أظافره وأنيابه وترويضه بانتظار استخدامه كأداة مرة أخرى في وقت لاحق.
أما التركيز على وضع المرأة، فهو برأيي تقوية لجبهة الداخل الإسلامي، لأن الإسلاميين يعرفون قبل غيرهم أن مقتل الإسلام هو موقفه من المرأة. ويعرفون أن الأكاذيب التي كانت سابقا تقنع النساء المسلمات بوضعهن لم تعد كافية في عصر التحرر والإعلام والحوار بين الحضارات.
يسبب ضعف الإسلام في مجال حقوق المرأة والأسرة رعبا حقيقيا لصانعي السياسات الإسلامية، فهؤلاء الشيوخ الذين يحترفون البزنس الإسلامي يدركون أن ضعف سيطرتهم على النساء قد يعني خروج جزء كبير من المجتمع من أيديهم، وأن بذرة التمرد التي قد تزرع في عقل النساء اللواتي لا تروقهن سيطرة الرجل المطلقة عليهن باسم الإسلام لا بد أن تنمو لتتحول إلى مشروع ثورة اجتماعية قد تنسف المجتمع الإسلامي بشكله الحالي. مما قد يؤدي بالتالي إلى معركة اسلامية داخلية تفوق في خطرها وتأثيرها معركة التعامل مع الآخرين التي تدور رحاها حاليا.
يتشكل الخطر الأكبر على تعامل الإسلاميين مع المرأة من اختلاط المرأة بالرجل في مقاعد الدراسة، وخصوصا في الثانوية والجامعة، لأنه يعزز نظرة المرأة أنها مساوية للرجل، ومن الطبيعي أن تتوفق عليه إذا بذلت جهدا، وليست ناقصة عقل ودين، أو عورة، كما يصفها الإسلام وشيوخه المعاصرون. يتم حاليا غسل عقول النساء لمسح أفكار المساواة في المنزل من قبل الآباء والأمهات غير المتعلمات اللواتي يعلمن بناتهن أصول الخضوع والعبودية للرجل، ولكن صناع السياسة الإسلامية يدركون أن تأثير الأم لن يكون كبيرا على بنتها بعد أن تتزوج، وأن المرأة المتزوجة قد لا تمارس نفس عملية غسيل المخ مع بناتها.
ولكي تتعزز سيطرة الرجل على المرأة المتعلمة، اخترع الإسلاميون نمطا خاصا من المدارس الدينية تخصص للنساء، وتعلمهن كيف أكرمهن الإسلام بالعبودية للرجل كما أكرم الله الإنسان كله بأن جعله عبدا له. إضافة إلى ذلك أفرز البزنس الإسلامي داعيات إسلاميات يهدين المسلمات إلى طرق العبودية لله وللرجل تحت سوط الإرهاب الجهنمي. ويبدو أن تأثير المدارس الإسلامية وداعياتها قوي هذه الأيام لأن نساء المسلمين كما يبدو ما زلن مرعوبات من عقاب الله في الآخرة لكل امرأة تخالف شرع الله ولو بجزء من لباسها. وازداد تأثير هذه المدارس مع البرامج التلفزيونية التي تروج لنموذج المرأة الإسلامية الخاضعة التي تختصر معنى حياتها في الخضوع لربها ولزوجها وتروج لعقوبات إلهية مروعة يمكن أن تطال كل امرأة تصافح رجلا أو تزور صديقة مسيحية.
جعل التطور الذي أصاب العديد من المجتمعات الإسلامية النساء على اطلاع أكبر على حقوقهن الإنسانية التي ينكرها الإسلام بحجج لم تعد تقنع المرأة المتعلمة المثقفة. ويبدو التغير الذي يصيب نظرة المرأة لحقوقها وحياتها واضحا للعيان في مجتمعنا السوري، فقد انتزعت المرأة المسلمة حق التعلم والعمل منذ أواسط القرن الماضي، وفي الجامعة والعمل اكتشفت أن المجتمع يحوي فئات أخرى غير المسلمين، ومسلمين من طوائف أخرى، وأن الاختلاط معهم ليس خطرا ولا يفسد العقيدة كما يعلمهن الشيوخ نقلا عن الرسول والصحابة. وهكذا بدأت بذرة الشك والشعور بالتناقض تنمو لديهن.
وساهم الإعلام والتلفزيون في تغذية هذا الشعور، خصوصا مع ظهور الجيل الجديد من الفنانين الذين تمكنوا ببساطة من الدخول إلى المناطق التي لا يستطيع أي عبقري من عباقرة البزنس الإسلامي أن يدخلها. وسببت الفنانات الصاعدات تغييرا كبيرا في نمط "سوبر ستار" المجتمع، فقد بدأ بالاختفاء نمط شخصية الفنانة الرصينة الذي كانت تمثله فيروز وأم كلثوم وصباح، وجوليا إلى حد ما، وبدأت البنات يعجبن بنجوى كرم ونوال الزغبي ونانسي عجرم وغيرهن من الفنانات، ويغنين ويرقصن معهن رغم كل صياح واستغاثة المشايخ ومطالبتهم استبدال الغناء بكلام الله وسنة نبيه، واستبدال الرقص بالصلاة.
ولأن الإرهاب لا يستقيم مع العقل، ولا يسيطر عليه إلى الأبد، بدأت النساء المظلومات يخرجن إلى العلن ويعلن لكل أمة "لا إله إلا الله" أنهن يشعرن بالظلم، ويحاولن انتزاع حقوقهن بنفسهن. بعضهن اخترن نبذ الإسلام بأشكاله التسويقية المعاصرة، واعتناق اسلامهن الخاص الذي يحترم حقوقهن ولا يفرض عليهن تلك الواجبات الغريبة مثل نمط معين للباس أو الكلام أو الدخول إلى الحمام. والبعض الآخر مازلن يحاربن من تحت نير الإسلام بشكله التسويقي المعاصر، ويحاولن التغيير من الداخل.
صحيح أن هذه المعركة مازالت خفية إلى حد ما لأن عدد النساء الرافضات لواقع عبوديتهن في الإسلام ما زال قليلا، ولكن عددهن في ازدياد، ومعركتهن متواصلة. أما عندما ستخرج هذه المعركة الداخلية إلى العلن، فلا شك أنها ستدخل مرحلة جديدة ولا بد أنها ستشهد ضحايا وتضحيات، و ربما تؤدي إلى تفسخ الإسلام الذي نعرفه من الداخل، وإلى تشكيل عقيدة اسلامية جديدة أكثر تفتحا وقبولا لحقوق المرأة الإنسانية، ولن تعدم العقيدة الجديدة شواهد صحتها فأسس الإسلام مرنة ومطواعة لتقبل كل أنواع التأويل.
وفي هذه الأثناء، لكي يضمن الإسلاميون استمرار سيطرتهم على المرأة لا شك أنهم سيستمرون في محاربة كل محاولة تحررية، وخصوصا إذا جاءت من قبل امرأة مسلمة تدعو لتحرير المرأة من قيود الإسلام الصارمة. هذه المعركة تبدو محتدمة على أشدها في فرنسا، فقد لوحظ مؤخرا في مرسيليا تشكيل عصابات من الشباب المسلمين تقوم باغتصاب أو قتل أو حرق كل مسلمة غير محجبة، الأمر الذي أدى إلى تضامن البرلمان الفرنسي مع الضحايا، وعبر عنه بتعليق صور بعض الضحايا مكبرة على جدرانه. وقد بدأت ممارسات مشابهة تصل بلادنا، فقد سمعت عن نساء سافرات تعرضن للدفع والإسقاط أرضا في الشارع من قبل نساء محجبات يرتدين زيا موحدا يبدو أنهن ينتمين إلى عصابة ما ويمارسن إزعاج المارة في الطرقات. لحسن الحظ لم تصل هذه الممارسات إلى حد اعتبارها حربا حقيقية على السافرات، ولكنها تبقى نذير شؤم على ما ينوي صناع الإسلام الحاليين أن يسببوه لمجتمعنا.
كان الإسلام خلال الأعوام الماضية أداة في يد السلطة وسادتها، وسيستمر لاحقا في هذه الوظيفة، ولكن لا بد أن تدخل عليه تعديلات جوهرية تجعله أكثر تمدنا وأكثر قوة للسيطرة على المجتمعات المتطورة. ولكي يتم هذا التطوير، لا بد للإسلام أن يحسم معركتين أساسيتين، معركته مع الآخرين من غير المسلمين، ومعركته الداخلية مع حقوق المرأة.
خلال هذه المعركة، سيتنازل الإسلاميون للمرأة عن الكثير من الأمور التي يفرضونها عليها الآن، ولكنهم لن يساوموا في موضوع الحجاب، لأنه بالنسبة لهم رمز السيطرة على المرأة. وستستغل المرأة المسلمة هذه النقطة لانتزاع حقوقها واحدا تلو الآخر، وأخيرا سيكون نزع الحجاب المعركة الفاصلة بين العقيدة القديمة والجديدة، وهي معركة لا بد أن تكون عنيفة، ولا بد أن تنتهي بانتصار الإنسانية.
الأيهم صالح
www.alayham.com
التعليقات
Re: معركة الإسلام القادمة
إعتراض على طريقة تناول الموضوع
Re: إعتراض على طريقة تناول الموضوع
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
الصراع على الرب...
Re: الصراع على الرب...
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
Re: معركة الإسلام القادمة
إضافة تعليق جديد