الانتماء الوطني والنطاق الوطني

قال صديقي: "إذا كنت فعلا معنيا بالانتماء إلى سورية، لماذا لم تحجز اسم نطاق وطني SY بدلا من اسم النطاق العالمي؟"
أحرجني السؤال، فماذا أستطيع أن أقول أمام طرح كهذا. خصوصا أنه جاء وأنا أفكر في ردي الشخصي على قانون العقوبات الأمريكي ضد بلدي. أعجبتني الفكرة، وشرعت في تنفيذها.

أول ما فعلت زيارة موقع مؤسسة الاتصالات www.ste.net.sy للاطلاع على شروط تسجيل اسم النطاق الوطني. وأسعدني أن النظام المعلن خال كما يبدو من البيروقراطية، ولو أنه ليس مؤتمتا تماما كما تجد لدى بقية مزودي الخدمة. وأخذت أقرأ حتى وصلت إلى سعر اسم النطاق الوطني. السعر المعلن هو 5000 ليرة سورية. نعم خمسة آلاف ليرة سورية سنويا، عندها ترددت وأخذت أفكر في الأمر.

إذا كان سعر اسم النطاق من الرتبة com، وهو الأشهر عالميا، لا يزيد عن 20 دولار في السوق العالمية، فلماذا يكون سعر اسم النطاق الوطني ما يعادل خمسة أضعافه، أي حوالي مئة دولار؟ هل لأن الطلب على النطاق السوري أكبر من الطلب على النطاق العالمي، أم لأن العرض في النطاقات السورية أقل بكثير من العرض في النطاقات الأمريكية.

في الحقيقة أن قوانين السوق لا تنطبق عندنا في سورية، أو بالأصح، لا تنطبق على السلع والخدمات التي تحتكرها الحكومة عبر شركاتها "الوطنية". فحكومتنا تحتكر عددا من السلع التي لا يشتريها أحد في العالم غير المواطنين السوريين، وتجبر المواطنين السوريين على شرائها عبر قوانين تسنها خصيصا لحماية هذه الاحتكارات. وقد تحدثت عن هذه السياسة سابقا في مقالة "سياسة امتصاص الثروة" المنشورة على موقعي الشخصي.

أدت السياسة الاحتكارية التي تتبعها الحكومات السورية المتعاقبة منذ عشرات السنين إلى رد فعل صامت في الشارع السوري، تمثل بمقاطعة متزايدة وصامتة كل ما تنتجه الحكومة، بدءا بالجرائد الرسمية، ووصولا إلى التعليم الرسمي. وقد واجهت خدمة النطاق الوطني نفس المصير، فلم يسجل إلا عدد قليل من المواقع السورية منذ إطلاق النطاق الوطني على الإنترنت في 20 شباط عام 1996، وإذا استثنينا مواقع الحكومة السورية نفسها، مثل التلفزيون ومؤسسة الاتصالات والوزارات وعدد من الهيئات الرسمية، سيصعب عليك أن تجد على الإنترنت خمسة مواقع تحمل اسم النطاق الوطني، رغم وجود أكثر من ألفي موقع سوري غير حكومي تعمل على الشبكة.

ما الذي يدفع السوريين بعيدا عن النطاق الوطني، هل هو شعورهم بالانتماء إلى الشبكة العالمية الإنسانية بدلا من الشعور بالإنتماء إلى سورية وحكومتها الاحتكارية؟ هل هو مجرد قانون السوق الذي يدفع المشتري نحو الخدمة الأفضل والأرخص، أم أنه قرار جماعي من الشعب السوري بمقاطعة خدمة من خدمات مؤسسة الاتصالات عقابا لها على الأسعار الباهظة لخدماتها الأخرى مثل الهاتف العادي والجوال، والهاتف الرقمي وخدمات الإنترنت ذات الأسعار الخرافية.

هل ستسكت مؤسسة الاتصالات على مقاطعة السوق لخدمتها الباهظة الثمن خلال السنوات الماضية؟ ألن تفكر المؤسسة في شن حملة تسويقية تستخدم فيها كل قوتها الاحتكارية لإجبار المواقع السورية على اعتماد نطاق وطني؟ ولمعاقبة المواقع التي ترفض الخضوع لاحتكارها؟ أليست تعليمات وزارة التقانة للمؤسسات الحكومية التي تلزمها باعتماد نطاق وطني فاتحة هذه الحملة التسويقية؟

بالنسبة لي، أعلن أنني لن أشتري نطاقا وطنيا لنفسي قبل أن يصبح سعره مقبولا، لكي أدفع سعره دون أن أحس أن مؤسسة الاتصالات تسرقني. وبالمقابل، سأستمر في تجديد نطاقي المحجوز عبر شركة أمريكية، وسأدفع لها سعر التجديد السنوي برضى وقناعة، فأنا أشعر أن هذه الشركة الأمريكية لم تحاول استغبائي وسرقتي كما تحاول حكومتي وشركاتها "الوطنية".

الأيهم صالح
www.alayham.com

التعليقات

rawand

إذا كانت المؤسسة تعتمد على المغفلين في وارداتها من اسم النطاق السوري، فلدي خبر سيء : لا يوجد لدينا مغفلين! وحتى من ورث ملعقة الذهب أبا عن جد لن يدفع لمئة دولار لحجز اسم على نطاق .sy فإن كانت المؤسسة فعلا مهتمة بالترويج لهذا النطاق فعليها أن تذهب إلى حمام السوق لتنفض عنها أوحال التفكير المتحجرة. ثم تنظف أسنانها بمعجون يحتوي على الأنتي بليك. و كحل بديل لدي اقتراح مفيد: ماذا لو تعلن المؤسسة أن 4000 ليرة من أصل ال 5000 ستذهب إلى الجمعيات الخيرية (يختارها المشترك)، والسبب أنه ببساطة لا أحد يريد التبرع للمؤسسة وإن ماتت من الجوع لأنه من يزرع يحصد. وموطني موطني...

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.