حوار معك 1

الأيهم صالح
الوصف

ما سنتحدث عنه اليوم بالغ الأهمية في هذا العصر، ولكنه ليس من أفكاري. أغلب ما سنناقشه اليوم يكمن في أفكارك وفي طريقة تفكيرك. وفي نهاية النقاش سنخرج جميعا بنتيجة مذهلة لمن يتابع النقاش إلى نهايته، رغم أن كل النقاش لن يحمل أية أفكار جديدة، بس سيركز على الأفكار التي يعرفها ويقبلها كل منا.

لنبدأ الحديث عن الأخلاق، هل تعتقد أن هناك شيئا ما اسمه الأخلاق، لا أسأل عن تعريفك للأخلاق ولا عن طريقة تطبيق الأخلاق، أنا أسأل هل تعتقد أن هناك شيئا اسمه الأخلاق؟ أنا أعتقد بذلك، نعم هناك شيء اسمه الأخلاق، فماذا تعتقد أنت؟ أغلب من أسألهم يعتقدون بوجود شيء اسمه الأخلاق ولكنهم يختلفون كثيرا حول تعريفها وتطبيقها، وسنناقش ذلك لاحقا، ما يهمني الآن هو معرفة رأيك أنت. هل تعتقد بوجود شيء اسمه الأخلاق؟ أنا لا أسمع جوابك، ولا داعي للإجابة بصوت عال. المهم هو أن تجيب بنفسك لنفسك وفق ما تعتقده أنت.

إذا كنت تعتقد أن هناك شيئا ما اسمه الأخلاق، فهل تعتقد أنك قادر على معرفة الأشياء التي تنطبق عليها أو لا تنطبق عليها الأخلاق؟ أيضا هناك اختلافات كبيرة بين الناس في هذا المجال، ولكن الكثيرين يملكون تصورا واضحا عن قدرتهم على معرفة الأشياء التي تبدو لهم منسجمة أو غير منسجمة مع الأخلاق، رغم أنها قد تبدو لغيرهم بشكل مختلف. ما يهمني هنا هو ما تعتقده أنت. هل تعتقد أنك قادر على معرفة الأشياء التي تنطبق عليها الأخلاق؟

مثلا، هل تعتقد أن السرقة تنسجم مع الأخلاق؟ بعض الناس يعتقدون ذلك، فهل تعتقد أنت ذلك؟

بعض الناس يعتقدون أن القتل ينسجم مع الأخلاق، لكل شخص حريته في الاعتقاد بما ينسجم مع الأخلاق، المهم هنا هو أن تعرف انك قادر على تحديد الأشياء المنسجمة مع الأخلاق حسب اعتقاداتك أنت، فهل تستطيع ذلك؟

هل الانسجام مع الأخلاق أمر نسبي حسب معتقداتك؟ مثلا، إذا كنت تعتقد أن السرقة تنسجم مع الأخلاق، فهل تعتقد أن قيام لص بسرقتك عمل أخلاقي؟ إذا كنت تعتقد أن السرقة لا تنسجم مع الأخلاق فهل تعتقد أن السرقة عمل لاأخلاقي في كل زمان ومكان؟ بعض الناس يستطيعون إيجاد كل أنواع التبريرات لأي سلوك، وما أسألك عنه ليس لتبرير سلوك ما، بل هو سؤال مجرد عن معتقداتك؟ هل الانسجام مع الأخلاق أمر ينطبق في كل زمان ومكان بالنسبة لك؟

هل تعتقد أن للانسجام مع الأخلاق دورا في توجيه سلوكك الشخصي؟ مثلا هل تعتقد أن هناك أشياء يحق لك أن تفعلها وأشياء لا يحق لك أن تفعلها بسبب موقفك الأخلاقي منها. أنا لا أعرف أحدا لا يأخذ الأخلاق بعين الاعتبار أبدا، فما رأيك أنت؟ هل تعتقد أن للأخلاق دورا في توجيه سلوكك؟

مثلا، إذا كنت تعتقد أن القتل عمل لا أخلاقي، فهل تمارسه؟ إذا كنت تعتقد أن النهب عمل لاأخلاقي فهل تمارسه؟ سيحتج البعض بوجود أشخاص آخرين يعتقدون اعتقادات مختلفة، وأنا أوافق على ذلك ولكننا الآن لا نتحدث عن الآخرين، بل عن أفكارك أنت. هل تعتقد بوجود أشياء يجب أن لا تفعلها بسبب دافع داخلي خاص بك، وهل تعتقد بوجود أشياء يحق لك أن تفعلها بدافع داخلي خاص بك؟

لنركز على الأشياء التي يجب أن لا تفعلها، هل تعتقد أن هذه الأشياء متغيرة؟ مثلا يجب أن لا تفعل شيءا ما اليوم لأنه لا أخلاقي، ولكن يمكنك أن تفعل نفس الشيء لاحقا لأنه أخلاقي؟ أو لأنه أصبح أخلاقيا؟ لاحظ أنني لا أسأل عن سلوكك بل عن معتقداتك. بعض الناس لا يتصرفون حسب معتقداتهم ولكل أسبابه التي لا نناقشها الآن. ما نتحدث عنه هو أفكارك ومعتقداتك أنت.

إذا كنت تعتقد أن السرقة عمل لا أخلاقي، فهل تعتقد أنها عمل لا أخلاقي اليوم وبعد 100 عام؟ هل توجد أشياء قادرة على تحويل الأعمال اللاأخلاقية إلى أعمال أخلاقية حسب اعتقادك؟ هل هناك عبارة أو طقس أو وثيقة أو شيء ما يمكن أن تفعله لتصبح السرقة عملا أخلاقيا وفق معتقداتك؟ إذا كنت قادرا على تبرير السرقة بشكل ما، فهل تعتقد بوجود أمور لا يمكن تبريرها أبدا، وستبقى تتعارض مع أخلاقك إلى الأبد؟

بعض الناس يجدون تبريرا أخلاقيا لأمور تبدو لغيرهم لا أخلاقية، لنتحدث عن استخدام العنف، الكثير من الناس يعتقدون أنه يجب أن لا تستخدم العنف مع الآخرين، ولكن هل هناك حالات يصبح العنف فيها أخلاقيا؟ لنأخذ حالة شخص أراد أن يسطو على محفظة امرأة عجوز، فدافعت عن نفسها وضربته بقوة سببت له أذية. هل تعتقد أن من حق المرأة هنا استخدام العنف دفاعا عن نفسها أو ممتلكاتها؟ البعض يعتقدون ذلك، وأنا أؤيدهم. نعم أنا أبرر استخدام العنف في حالة الدفاع عن النفس، فما رأيك أنت؟

هل توافق على استخدام العنف لمنع شخص ما من فعل شيء تعتقد أنه يجب أن لا يفعله؟ مثلا إذا كنت تعتقد أن أحد أنواع الطعام مضر بالصحة، فهل تعتقد أنه يمكنك أن تمنع شخصا آخر من دخول المطاعم التي تقدم هذا الطعام؟ إذا كنت تعتقد أن شخصا ما يسبب الضرر لنفسه بسبب نوع طعامه فهل تقبل استخدام القوة لمنعه من تناول الطعام الذي يرغب بتناوله؟

ماذا لو كنت تعتقد أن منعه أمر سيفيده، ماذا لو كنت تعتقد أنه في المستقبل سيحس بالفائدة وربما يشكرك على استخدام القوه معه؟ هل يبرر لك ذلك استخدام القوة لمنع شخص من تناول طعامه؟

ماذا لو اعتقد شخص ما أن طعامك يضرك أنت، وقرر أن يفيدك فقام بمصادرة أموالك واشترى لك طعاما يعتقد أنه يفيدك، وأجبرك على ممارسة رياضة لا تريد أن تمارسها، وبعد عام من ممارسة العنف عليك قال لك أن كل هذا لصالحك، وقد استفدت منه؟ هل تجد أن الغاية تبرر استخدام العنف كوسيلة ضدك أو ضد غيرك؟

ما الفرق بين استخدام شخص للعنف دفاعا عن نفسه، وبين استخدام شخص للعنف كوسيلة لغاية ما يعتقدها مفيدة لنفسه أو لآخرين؟ هل تلاحظ مفهوم العدوان هنا. هل ترى أن هناك فرقا بين استخدام العنف، وبين العدوان أو الاعتداء على الآخرين بالعنف؟

وهكذا نجد نفسنا أمام نوعين من الأمور التي يجب أن لا نفعلها، هناك أمور يجب أن لا نفعلها أبدا وأمور يجب أن لا نفعلها إلا ضمن ظروف محددة. أنا أستطيع إيجاد تبرير لاستخدام العنف في بعض الحالات، مثلا لدفع العدوان، ولكن هناك أمورا أخرى لا أستطيع أن أجد تبريرا لها، وأعتقد أنها لا أخلاقية دائما، فما رأيك أنت؟

لنركز الآن على الأمور التي يجب أن لا نفعلها أبدا حسب معتقداتك، أي على أكثر الأمور لاأخلاقية برأيك. هل تعتقد أن لا أخلاقية هذه الأمور تنطبق على الجميع. مثلا، إذا كنت تعتقد أن القتل عمل لا أخلاقي ويجب أن لا تفعله، فهل تعتقد أن من المقبول أن يفعله شخص أخر ويبقى منسجما مع أخلاقك أنت؟ هل القتل عمل لا أخلاقي كائنا من كان من يقوم به حسب رأيك أنت؟ وإذا كنت تقبل أن يقوم أشخاص آخرون بالقتل، فهل تعتقد بوجود أشياء يجب أن لا تفعلها أبدا ويجب أن لا يفعلها الآخرون أيضا؟

ماذا لو كنت بين أشخاص آخرين يخالفونك الاعتقاد، هل هذه الأمور التي يجب أن لا تفعلها خاضعة لآراء الأغلبية، هل قبول عدد من الناس لأمور تجدها لا أخلاقية كاف لتحويل هذه الأمور إلى أخلاقية حسب معتقداتك؟ بعض الناس يقبلون أن يمارس الآخرون أمورا يجدونها لا أخلاقية، ولكن ذلك لا يغير من موقفهم من لا أخلاقية هذه الأمور. فما رأيك أنت بذلك؟

هذا السؤال مهم جدا لأنه بداية تفاعلنا مع المجتمع. وهو سؤال فلسفي عن خضوع الصح والخطأ لرأي الأغلبية. مثلا إذا كان الجميع في مكان ما باستثنائك أنت يعتقدون أن استعباد الآخرين عمل أخلاقي، فهل تعتقد أنهم محقون بذلك، أم أنهم جميعا على خطأ. لاحظ أن هذا المثال ليس خارج الواقع، فقد شهدت سوريا والعراق وليبيا واليمن مؤخرا عودة نظام العبودية في بعض مناطقهما بشكل مؤقت، وقد شارك العديدون في ممارسة الاستعباد بحق أشخاص آخرين. السؤال موجه لك أنت، فهل تعتقد أن ممارسة الآخرين لأمور تجدها لا أخلاقية في كل زمان ومكان يمكن أن يجعل هذه الأمور أخلاقية حسب معتقداتك؟

هل يوجد أي شيء يمكن أن يحول شيءا بالغ السوء حسب معتقداتك إلى شيء جيد؟ إذا كانت العبودية أمرا غير مقبول أبدا بالنسبة لك، فهل يمكن أن تصبح أمرا مقبولا بطريقة ما؟ مثلا بتغيير اسمها، أو بتغيير طريقة ممارستها؟ أو بإصدار كتب تبررها، أو بإصدار قوانين تبيحها، أو بطريقة ما؟

لنركز الآن على الأمور بالغة اللاأخلاقية بحيث لا يمكن أبدا تحويلها إلى أمور أخلاقية. هل تعتقد أن عليك أن تتجنب فعل هذه الأمور دائما، بغض النظر عن ما يقوله أو يفعله الآخرون؟

لنفرض أن شخصا ما يفعل أحد هذه الأمور التي تعتقد أن من الواجب تجنبها دائما، وأنك متضرر من فعله، أي أن هذا الشخص يمارس عدوانا بحقك، هل تعتقد أن من حقك استخدام العنف أو القوة لحماية نفسك أو ممتلكاتك؟ مثلا هل يحق لك أن تضرب شخصا عندما تضبطه يحاول استغفالك وسرقة سيارتك؟

ماذا لو لم يحاول هذا الشخص سرقة السيارة بدون علمك، بل هددك بسكين لتعطيه المفاتيح؟ في هذه الحالة أنت من أعطاه المفاتيح وهو لم يلمسك ولم يستخدم العنف ضدك؟ هو هددك بالقتل فقط، فهل تعتقد أن من حقك الدفاع عن ملكيتك وضرب اللص؟ ربما لا يلجأ الكثيرون لاستخدام العنف في هذه الحالة، ولكن لا أعتقد أن أحدا يجد أنه ليس من حقه الدفاع عن ملكيته تجاه العنف أو التهديد بالعنف. هنا نجد سؤالا مهما: هل تعتقد أن التهديد بالعنف يعتبر عدوانا يبيح استخدام القوة لدفعه؟ لاحظ أن السؤال عن اعتقادك وليس عن ما يمكن أن تفعله، لأن الفعل يتعلق بالظروف وهو ما لا نناقشه الآن. بعض الناس يعتقدون أن لا مشكلة في تجنب العنف المباشر عبر التضحية بالممتلكات، وبعض الناس يعتقدون أن من حقهم قتل شخص ما يهددهم بالقتل، وأنا لا أوافق على الرأيين، فأنا أقبل العنف، وليس القتل، في حدود الدفاع عن النفس والممتلكات فقط، ولكن سلوكي في كل حالة يتعلق بالظروف. فما رأيك أنت؟

ماذا لو استخدم شخص ما الخديعة للاستيلاء على بعض ممتلكاتك بدون عنف وبدون تهديد. هل استخدام الخداع نوع من العدوان وهل يبرر استخدام العنف لدفعه، أو لاسترجاع ما تم انتزاعه منك بالخديعة؟

حسنا، ناقشنا بعض أشكال العدوان وموقفنا من استخدام العنف لدفعها، ولكل منا رأيه في ذلك. ولا شك أننا جميعا تعرضنا يوما ما لعدوان بطريقة ما وتصرفنا بطريقة ما للتعامل معه، ولكن سلوكنا لا يغير موقفنا الأخلاقي من ذلك العدوان. أنا مثلا أعتقد أن العدوان بالعنف أو بالتهديد أو بالخديعة أمر لا أخلاقي ويبرر استخدام العنف لردعه، فهل تتفق معي أم أن لك رأيا مختلفا؟

إذا كنت تعتقد أن أمرا ما عمل لا أخلاقي ويجب أن لا تفعله، فهل تقبل أن توكل شخصا آخر لفعله؟ مثلا إذا كنت تعتقد أن العدوان على الآخرين عمل لا أخلاقي وتتجنب فعله، فهل تقبل أن توكل أحدا آخر للقيام به نيابة عنك؟ في هذا المثال هل تعتبر أن ما تفعله هو مجرد الكلام أو تمرير معلومات وتعليمات لشخص ما، وأن الاعتداء على الآخرين هو ما سيقوم هذا الشخص؟ إذا كنت تتجنب فعل شيء ما، فهل تتجنب توكيل أحد آخر لفعله؟ هل توكيل أحد آخر للقيام بالعدوان نوع من العدوان أيضا؟

سأعيد هذه الفكرة لأنها بالغة الأهمية، إذا كنت تعتبر أنه ليس من حقك فعل شيء ما، فهل يحق لك توكيل شخص آخر لفعل هذا الشيء؟ وإذا كنت تعتبر أن فعلا ما من قبل شخص ما يعتبر عدوانا عليك، فهل تعتبر أن توكيل شخص آخر لارتكاب الفعل بحقك يغير من طبيعة العدوان؟

لنتذكر أننا ناقشنا فكرة خضوع الصح والخطأ لرأي الأغلبية، ولكل منا رأيه في ذلك، ماذا عن مفهومك للعدوان، هل يتعلق برأي الأغلبية؟ مثلا إذا اجتمع تسعة رجال وامرأة وقرر الرجال اغتصاب المرأة، فهل يعتبر هذا عدوانا؟ هل ممارسة تسعة أشخاص لما يرغبون به على حساب شخص عاشر يعتبر اعتداءا على عاشرهم؟

ماذا لو تم ذلك بمنطق "الغاية تبرر الوسيلة"؟ ماذا لو قام بضعة أشخاص بنهب شخص غني ثم وزعوا أمواله على الفقراء أو استخدموها لبناء شيء يستفيدون منه هم وصاحب المال الأساسي؟ هل تعتبر ذلك عدوانا؟ وهل تقبل أن تشارك في مثل هذا العمل؟ أنا أعتبر أي اعتداء على أي شخص من قبل أية جماعة عملا غير مقبول ويبرر استخدام القوة لردعه. فما رأيك أنت؟

ماذا عن مفهوم الاعتداء بين جماعات، مثلا هل من المقبول أن تقوم أغلبية ما بالاعتداء على أقلية بطريقة ما، حتى لو تم ذلك كوسيلة لغاية تبدو نبيلة مثل المصلحة العامة؟ هل تقبل أن تقوم أغلبية بالاعتداء على الآخرين لبناء مدرسة أو مستوصف أو لأي سبب ما؟ أعتقد أن أغلب الناس يرفضون ذلك إذا كانوا بين الأقلية التي تتعرض للعدوان، ولكن ما موقفك لو كنت بين الأغلبية في حالة من هذا النوع. إذا كان تعتبر أمرا ما عدوانا وتتجنب فعله بشكل شخصي، فهل تعتبره عدوانا إذا كنت بين جماعة تمارس نفس الفعل؟ هل تبرر للجماعة ما لا تبرره لنفسك؟

ماذا لو قررت الجماعة توكيل شخص ما، أو مجموعة أشخاص، لممارسة عمل تعتبره لاأخلاقيا، مثل الاعتداء على شخص ما ونهب أمواله، بحجة المصلحة العامة. هل توافق على ذلك إذا كنت بين الجماعة التي قامت بالتوكيل؟ إذا كنت تعتبر عملا ما لا أخلاقيا، فهل تعتبر الانتماء إلى جماعة توكل شخصا ما بذلك العمل أمرا لا أخلاقيا أيضا؟

هل توافق على الفعل إذا وكلتك جماعة ما لارتكاب فعل تعتبره لا أخلاقيا ولا تمارسه بشكل شخصي؟ هل توكيل جماعة لك لارتكاب فعل تعتبره لا أخلاقيا يغير موقفك من أخلاقية ذلك الفعل؟ مثلا هم طلبوا مني ذلك وأنا أفعل ذلك على مسؤوليتهم.

سأعيد السؤال للتركيز، حسب اعتقادك،هل يحق لجماعة اتخاذ قرار ما بالاعتداء على آخرين؟ أو بتوكيل أحد ما بذلك الاعتداء؟ وهل تقبل فعله إذا وكلتك جماعة ما بذلك؟

هل تعتبر أن من حق من يتعرض لمثل هذا الاعتداء الدفاع عن نفسه بوجه الجماعة؟ وهل تعتقد أن من حقك أنت الدفاع عن شخص يتعرض للاعتداء من قبل جماعة؟ السؤال هنا عن الاعتقاد وليس عن ما يمكن أن تفعله، مثلا إذا كنت تواجه عصابة أو مافيا أو منظمة تحاول نهبك، فهل يحق لك الدفاع عن نفسك؟ أو الدفاع عن شخص آخر تستهدفه هذا العصابة أو المافيا؟

هل يوجد شيء يمكن أن يغير موقفك من أخلاقية مثل هذا الاعتداء؟ مثلا ماذا لو تمت تسمية الاعتداء "قانونا" تم إصداره "باسم الشعب" لتحقيق "المصلحة العامة"؟ ماذا لو تمت تسمية الاعتداء "فرض عين" تم فرضه "باسم الله" من أجل "الدين".

إذا سبب لك هذا السؤال اضطرابا، فهذا جيد، من المفيد أحيانا أن تفكر في أمور مزعجة، ولاحظ أنني أسأل عن اعتقادك، وهو أمر يتعلق بك وحدك ولا أحد يتدخل به. أنت حر في اعتقادك وفي طريقة إجابتك، وإذا رغبت بالتوقف عن النقاش فهذا قرارك ولك كل الحق في ذلك.

بالمقابل إذا رغبت بالاستمرار في النقاش، فربما تأتيك أسئلة أكثر إزعاجا من ذلك السؤال. وسأعيده عليك للتأكيد: هل تقبل تبرير الاعتداء بمبررات سياسية أو دينية؟ إذا كنت تعتبر عملا ما لا أخلاقيا، فهل يصبح أخلاقيا إذا أوجدت له جماعة ما مبررات سياسية أو مبررات دينية؟

ماذا لو أعلنت تلك الجماعة نفسها سلطة، مثلا ماذا لو سيطرت عصابة أو مافيا أو قوة احتلال على منطقة ما وبدأت بممارسة الاعتداء على الناس مبررة ذلك بقوانين خاصة بها؟ هل تعتقد أن من حق الناس المقاومة؟ هل تعتقد أن من حقك الدفاع عن نفسك في وجه هذه السلطة؟ هل تعتقد أن من حقك الدفاع عن آخرين تعتدي عليهم هذه السلطة؟ بعض الناس سيرحبون بمثل هذه السلطة، وربما يحاولون الانضمام إليها، وهناك أمثلة عديدة من التاريخ على ذلك، ولكن الكثيرين سيعتبرون أن المقاومة حق مشروع لهم، فما رأيك أنت؟

ماذا لو استندت السلطة إلى الدين في اعتدائها؟ هل سيغير ذلك من موقفك من أخلاقية الاعتداء؟ هل تعتبر أن نصا ما كتب منذ أكثر من ألف عام كاف لتبرير عدوان تعتقد أنه غير أخلاقي، وتمتنع عن ممارسته بشكل شخصي، ولكنك تمارسة بناء على تعليمات سطلة تستند إلى الدين؟

ماذا لو استندت السلطة إلى القانون في اعتداءاتها؟ هل الاعتداء باسم الأغلبية على الأقلية يغير من طبيعة الاعتداء؟ هل تعتبر أن كتابة نص ما والتصويت عليه يوم أمس أمر كاف ليصبح الاعتداء على الآخرين مشروعا اليوم؟

هل تعتبر أن التهديد بالعنف نوع من الاعتداء حتى لو تم "تطبيقا للقانون"؟ مثلا هل تعتقد أن التهديد بالاختطاف (أي السجن) أو بنهب الأموال (أي الغرامات) نوع من الاعتداء حتى لو تم بناء على نص كتبه أو قام بالتصويت عليه عدد من الأشخاص؟ هل تعتقد أن التهديد بالجلد لمن يشرب سائلا ما نوع من الاعتداء حتى لو تم بناء على ما يسميه بعض الناس "شرع الله"؟ هل تستطيع أن تعطي أمثلة أخرى عن أنواع التهديد بالعنف من قبل السلطات، وهل تعتبر أن التهديد بالعنف في أمثلتك نوع من الاعتداء؟

هل تقبل أن توكلك سلطة ما بالاعتداء على الآخرين؟ سواء كانت هذه السلطة عصابة أو مافيا أو منظمة أو شركة تجارية أو حزبا أو حكومة أو جماعة دينية؟ وإذا قبلت ذلك واعتديت على الآخرين، فهل تتحمل المسؤولية عن عملك، أم أنك تحمل المسؤولية للسلطة التي أصدرت التعليمات؟ مثلا هل تقول "أنا أنفذ القوانين". ماذا لوقالت السلطة "نحن السلطة ومن حقنا سن القوانين وعليك التنفيذ"، أو "نفذ ثم اعترض".

هل تقبل أن تنفذ أي أمر من السلطة يستند إلى القانون حتى لو كنت تعتقد أنه لا يحق لك ذلك أخلاقيا؟ إلى أية درجة تقبل أن تخضع للسلطة وتنفذ أوامرها؟ هذا السؤال بالغ الأهمية وللأسف يجيب عليه أغلب الناس جوابا يسبب الأذى والدمار لهم ولمن حولهم. ولا أكشف سرا إذا قلت لك أن الخضوع للقانون أو للتعليمات كان حجة موظفي السلطة لتنفيذ أشنع أنواع الاعتداءات على البشر في التاريخ. تطبيق القانون كان حجة من فرضوا نظام العبودية في كل مكان تم فرض هذا النظام فيه، ومن فرضوا نظام الفصل العنصري في أمريكا وجنوب افريقيا، ومن نفذوا المذابح الجماعية في كل مكان في العالم، ومن نفذوا أوامر الحروب وقتلوا ملايين البشر.

أنا أعتقد أنه إذا كان فعل ما لا يحق لك باعتقادك، فبالتالي لا يحق لك توكيل أحد آخر ليفعل ذلك الفعل، ولا يحق لك الفعل بناء على توكيل من أحد آخر. هذه الفكرة بسيطة جدا، وأعتقد أنني قادر على الاتفاق عليها مع أغلب من أناقشهم، ولكن بالمقابل لا أجد الكثيرين ممن يناقشونها بينهم وبين أنفسهم. فما رأيك أنت؟

ماذا عن توكيل أحد بالاعتداء على الآخرين عن طريق التصويت؟ هل تعتقد أن من الأخلاقي التصويت لأشخاص يقدمون برامج لفرض أمور لا تحق لهم على الآخرين؟ هل تعتقد أن من الأخلاقي التصويت لأشخاص يقدمون برامج لفرض أمور على الآخرين لا يحق لك أنت فرضها على الآخرين؟ هل تعتقد أن المساهمة في تصويت من هذا النوع تعتبر اعتداءا إذا سببت انتخاب سلطة مارست اعتداءا على آخرين؟

هل تعتقد أن من حق الآخرين التصويت ليفرضوا عليك أمورا لا يحق لهم فرضها عليك كأشخاص؟ أصلا هل يوجد تصويت في العالم لا يؤدي لإنتاج سلطة تعتدي على بعض الناس؟ أليس خضوع الأقلية للأكثرية أساس فكرة الديمقراطية؟ هل تعتقد أن الخضوع لقرارات أغلبية ما نوع من الاعتداء عليك؟

قد تجد هذه الأفكار مزعجة، ولكن انظر حولك، هل ترى كمية الاعتداءات التي يتعرض لها الناس من قبل كل أنواع السلطات؟ هل تستطيع أن تجد سلطة في أي مكان لا تعتدي على أحد؟ في العالم حولنا كمية هائلة من العدوان، من الشر الذي يولد شرا لا يولد إلا الشر. حلقة متعدية من الاعتداءات المتتالية على البشر من قبل سلطات متعددة الأشكال والتبريرات. هل تعتقد أن التصويت لأية سلطة أو دعمها بشكل ما يعتبر مساهمة في أي اعتداء؟ هل يتحمل من يشاركون في العمليات التي تنتج هذه السلطات المسؤولية عن ما تقوم به السلطات التي ينتجونها؟

إذا أعلن شخص ما نفسه ملكا أو رئيسا أو أميرا أو سلطانا أو رئيس حكومة أو خليفة أو وزيرا أو مديرا، فهل يحق له أن يطبق عليك بتلك الصفة أمورا لا تحق له بشكل شخصي؟ إذا لم يكن يحق له بشكل شخصي مصادرة أموالك على شكل ضرائب، فهل يحق له ذلك بناء على نص ما يسمى قانونا أو جزية أو نصيبا أو ما يشبه؟ إذا لم يكن يحق له أن يرسل بضعة أشخاص لاختطافك، فهل يحق له كسلطة إرسال قوة لاقتيادك إلى مكان لا ترغب بالذهاب إليه، مثل التجنيد أو السجن؟ إجابات الناس ستختلف بشكل طبيعي، وما أسأل عنه هو رأيك أنت؟ هل تعتقد أن من حق السلطة الاعتداء عليك بأية حجة؟ هل تعتقد أن من حق السلطة مصادرة أموالك بحجة المصلحة العامة؟ هل تعتقد أنك تتعرض لاعتداء من قبل سلطة ما، وهل تعتقد أن من حقك الدفاع عن نفسك في وجه اعتداء السلطة؟

سأسألك مرة أخرى، إذا كنت تعتقد أن سلطة ما تعتدي على شخص ما، فهل تعتقد أن من حق هذا الشخص المقاومة؟ إذا أرسلت السلطة له جماعة ترتدي لباسا موحدا وتحمل شارات مميزة لتعتدي عليه تحت شعار تطبيق القانون، فهل يحق له المقاومة؟

فكر جيدا في هذا السؤال، فالإجابة الخاطئة عليه أنتجت أشنع أنواع الجرائم ضد الانسانية التي عرفتها البشرية في تاريخها.

ماذا لو أعلنت السلطة أن مقاومة الاعتداء جريمة؟ وماذا لو صدق من ترسلهم السلطة ذلك واعتبروا أنك مجرم؟ هل تجد أن من حقك المقاومة رغم ذلك؟ هل تجد أن من حقك خرق القانون إذا اعتبر من يطبقون القانون أنك مجرم لمجرد الدفاع عن نفسك؟ هل تعتبر أن من حقك الدفاع عن نفسك في وجه أي اعتداء، حتى من قبل السلطة ومنفذيها؟ السؤال هنا ليس عن سلوكك، فنحن جميعا نتعرض لاعتداءات مستمرة من السلطات ونخضع لها بدون مقاومة. السؤال هنا عن اعتقادك بحقك في الدفاع عن نفسك ضد اعتداء من قبل السلطة أو منفذيها أو من يعملون معها.

إذا كنت تعتقد أن من حق السلطة الاعتداء عليك، وليس من حقك خرق قانونها لمجرد الدفاع عن نفسك، فهل هناك حالات أخرى تجد فيها أن من حقك خرق القانون؟ ماذا لو كان القانون مصمما لمنعك من ممارسة حق لك؟ هل تمارس هذا الحق رغم أن القانون يمنعه؟ مثلا إذا سنت سلطة ما قانونا يمنع التنفس إلا عبر كمامة، فهل تعتقد أن من حقك مخالفة القانون وتنفس هواء نقي بدون كمامة؟ ماذا لو منعت سلطة ما التنزه في الطبيعة، أو استقبال ضيوف في بيتك، أو أكل نوع من اللحوم، هل تعتقد أن من حقك التنزه في الطبيعة، أو استقبال ضيوف في بيتك، أو أكل ما تريد رغم أن ذلك يخرق قانون السلطة؟

هل تعتقد أن منعك من ممارسة ما تعتقد أنه حقك نوع من الاعتداء عليك؟ وهل تعتقد أن من حقك مقاومة هذا الاعتداء حتى لو اعتبرتك السلطة ومن ينفذون أوامرها مجرما؟ ماذا لو اعتبرت السلطة أن ممارستك لتنفس الهواء النقي اعتداء على قانونها، وحاول من ينفذون أوامرها منعك من ذلك؟ هل يغير موقف السلطة من الصح والخطأ موقفك أنت من الصح والخطأ؟

ما موقفك ممن تعتبر السلطة أنهم مجرمون لأنهم يخرقون قوانين السلطة، رغم أنهم لا يعتدون على أحد؟ مثلا في بعض المجتمعات التي تبيح العبودية يمنع تعليم العبيد، ويمنع مساعدتهم على الهرب من نظام العبودية. وفي هذه المجتمعات يصطدم من يعلمون العبيد أو يساعدونهم بمن يعملون مع السلطة لتطبيق قوانينها، فهل تعتقد أن الحق مع رجل القانون أم مع من يعتبره رجل القانون مجرما؟

عندما أنظر حولي في العالم هذه الأيام، أرى أن أشنع أنواع الجرائم ترتكب من قبل السلطات ومن ترسلهم لتطبيق قوانينها. تلك الجرائم تعتدي على ملايين الناس، تمنعهم من تنفس الهواء النقي، ومن زيارة أصدقائهم أو استقبال ضيوف في بيوتهم، وتفرض عليهم حظر التجول، والانتظار في أرتال طويلة خارج المتاجر، والكثير من الممارسات التي أعتبرها اعتداءا عليهم. أنا لا أستهين بضحايا العدوان الفردي، وأتفهم أن بعض الناس يرتكبون الاعتداء على الآخرين، ولكن عدد الضحايا لاعتداء صغير من قبل السلطة يفوق عدد ضحايا أي معتد فردي، فما بالك بالاعتداءات الكبرى التي تمارسها السلطة، والتي تسمى قوانين أو تشريعات.

سألتك سابقا. هل تعتقد أنك قادر على معرفة الأشياء التي تنطبق عليها أو لا تنطبق عليها الأخلاق؟ أنا أعتقد أنك قادر على معرفة الأشياء التي تنطبق عليها الأخلاق. أنا أعتقد أن أي شخص في العالم قادر على معرفة الصح والخطأ، ولكن الكثيرين يغيرون موقفهم من الصح والخطأ بناء على أوامر أو تعليمات من السلطة، سواء كانت سلطة عصابة أو مافيا أو منظمة أو حزب أو سلطة سياسية أو دينية. إضافة لذلك، مساهمة الكثيرين في السلطة وممارساتها تدفع معتقداتهم إلى الخلف، بحيث يتبنون معتقدات السلطة ويتجاهلون معتقداتهم الشخصية. ولهذا نجد كمية هائلة من الشر والعدوان حولنا في العالم. وأعتقد أن التخلص من هذا الشر والعدوان لا يتم بتغيير السلطة، أي باستبدال حزب بآخر، أو زعيم بآخر، أو رجل سياسة برجل دين. التخلص من هذا الشر يتم بعودة كل منا إلى مفهومه الخاص للأخلاق، للصح والخطأ، وبالإجابة عن أسئلة بسيطة من نوع: إذا لم يكن من حقك فعل شيء ما، فهل من حقك توكيل آخرين لفعله، أو التصويت لأخرين لفعله؟

أنا لا يحق لي الاعتداء على الآخرين ولذلك لا يحق لي توكيل أحد آخر بالاعتداء على الآخرين، ولا يحق لي الاعتداء على الآخرين بناء على أي توكيل، بما في ذلك عن طريق التصويت. أيضا لا يحق لأحد الاعتداء علي، ولا توكيل أحد آخر للاعتداء علي حتى عن طريق التصويت، ولا يحق لأية سلطة، حتى لو وكلها آخرون بالتصويت، توكيل أي أحد للاعتداء علي، ولا يحق لأي أحد الاعتداء علي بناء على توكيل أي أحد.

وفي نفس الوقت أعتقد أنه لا يحق لأحد الاعتداء عليك أنت، ولا يحق لأي أحد توكيل شخص آخر للاعتداء عليك، ولا يحق لأي شخص الاعتداء عليك بناء على أي توكيل. كما أنه لا يحق لك أنت الاعتداء على الآخرين، ولا توكيل أحد للاعتداء على الأخرين، ولا الاعتداء على الآخرين بناء على أي توكيل من شخص آخر أو من سلطة ما.

وأنا، رغم أنني لا أعرفك ولا أعرف كيف تجيب على أسئلتي، أثق بقدرتك على معرفة الصح والخطأ، وبأنني أستطيع أن أتفق معك على الصح والخطأ أكثر بكثير مما أستطيع أن أتفق به مع أية سلطة من أي نوع. أنا وأنت قادران على التفاعل بدون اعتداء رغم أن لنا مفهومين مختلفين للصح والخطأ، ولا نحتاج سلطة تعتدي علينا بحجة حمايتنا من اعتداء أي منا على الآخر، أو من اعتداء أحد آخر علينا، خصوصا في هذا العصر بعد أن أصبح تنفس الهواء النقي عمل مقاومة للسلطة.

أريدك أن تثق بنفسك وبقدرتك على معرفة الصح والخطأ رغم كل ما تقوله كل أنواع السلطات التي تتناهب حياتك، وكم يبدو الأمر غريبا عندما يثق بك وبقدرتك على معرفة الصح والخطأ شخص غريب مثلي، ويريدك أن تثق بنفسك، إذا كنت أنت لا تتجرأ أنت على الثقة بنفسك والإجابة على بعض الأسئلة التي طرحتها.

القنوات
الموضوع

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.