أيهم أسد: سلبيات اتفاق الشراكة السورية الأوروبية

الشراكة ستبيض ذهباً ولكن لمن
التقرير الذي أزعج الأوربيين هل أخاف السوريين...

انه اتفاق الشراكة السورية الأوربية
جزء صغير من اتفاق شراكة اورومتوسطية كبيرة
هل يرتب الأوربيين أوراق دول المتوسط العربية ( جيو اقتصادية ) على المدى القصير و( جيوسياسيا ) على مدى الطويل تمهيدا لتغييرها بطريقة ما....
وإذا كان ذلك الافتراض مرجحا وصحيحا إلى حد ما فالاقتصاد هو رافعة ذلك الترتيب والشراكة هي دينامو التغير المرتقب
وسوريا التي التحقت بركب الشراكة متأخرة عن بقية الشركاء وصلت الآن إلى لحظة الصفر، لحظة الضغط على زناد التنفيذ ... فإما أن تصيب أهدافها أو أن تصيبها الأهداف في مقتل ما
وأكثر أهداف الاقتصاد السوري انكشافا هي الصناعة ... تخلف تكنولوجي, خلل بنيوي , عمالة فائضة , تقليدية في المنتج , ضعف في الجودة , مضافا إليها بيروقراطية وفساد.
" تكنولوجيا الصناعة " تعرض بشكل محايد جزءا من التقارير النهائي غير المنشور الذي أعده لصالح مركز الأعمال السوري الأوروبي الدكتور نبيل سكر الاقتصادي السوري ( المدير التنفيذي للمكتب الاستشاري السوري بدمشق) مع الاقتصادي الإنكليزي روبرت ولسون في الشهر العاشر من عام 2004 بعنوان (تأثير اتفاقية الشركة السورية والأوروبية على الاقتصاد السوري )
ذلك التقرير الخطير و الحساس اقتصاديا والذي فند بدقة الآثار السلبية للشراكة على الصناعة السورية والتكاليف والمنافع الاقتصادية التي ستحصدها سورية من جرائها، ربما أزعج الأوربيين لإفصاحه عن حقائق الشراكة ومنطقها الفعلي وكشفه لجانب لا يريدون الحديث عنه ليظهروا الوجه الأبيض من الشراكة فقط وربما كان ذات التقرير صادما للسوريين أيضا لكشفه موقعهم وحجمهم الاقتصادي الضئيل في ذلك الاتفاق والتهديد الذي يفرضه عليهم. الشراكة ستبيض ذهباً ولكن لمن؟ هذا ما سيجيبنا عليه التقرير الذي بين أيدينا.
تنويه: كل ما سيرد بين أقواس وبخط ملون لم يرد في التقرير وليس من صلبه أبدا بل هو معلومات توثيقية من قبل مجلة " تكنولوجيا الصناعة " جهدت في جمعها لدعم وتحديث الأفكار الواردة فيه.

أثر الاتفاقية:

 

سيكون للاتفاقية أثر سلبي في المدى القريب والمتوسط وأثر إيجابي في المدى البعيد. ويؤمل أن يوازن الأخير الأثر السلبي في المديين القريب والمتوسط. علاوة على ذلك, يتطلب تحقيق الأثر الإيجابي على المدى البعيد سياسات وشروط محددة كما سيرد لاحقا.

1- تأثير الاتفاقية على المدى القصير والمتوسط
في المدى القريب, سيستفيد المستهلكون من انخفاض أسعار السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي بينما يستفيد المنتجون من الحصول على مستلزمات الإنتاج و الآلات المستوردة من الاتحاد الأوروبي بأسعار أخفض. ( هناك رأي معاكس تماما لهذا الرأي يطرح في الأوساط الاقتصادية ألا وهو أن أسعار السلع المستوردة ستميل للارتفاع لأن الإنتاجية في الدول الأوربية مرتفعة عما هي عليه في الاقتصاد السوري والأجور الأوربية أكثر ارتفاعا من أجورنا المحلية وهذا ما يؤهل أن تكون أسعار السلع المستوردة أعلى من منشأها يضاف إلى ذلك أن سعر صرف اليورو قد يرتفع مقابل الليرة مما يزيد من تكلفة المستوردات ويرفع أسعارها ). ولكن سيكون هناك ثلاثة آثار سلبية تحد من هذه المكتسبات: الأثر المالي والأثر التجاري والتأثير على الصناعة التحويلية

الأثر المالي :
يتمثل الأثر المالي في تخفيض العائدات المالية الناتجة أساسا عن الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية والزراعية المستوردة من الاتحاد الأوروبي ومع ذلك, فإن الانخفاض في العائدات المالية سيكون معتدلا نسبيا في حالة سورية مقارنة ببقية دول الشراكة, بسبب هيمنة القيود الكمية بدلا من التعرفة الجمركية في نظام التجارة السوري ووجود الإعفاءات الجمركية المتنوعة. ( أعلنت المديرية العامة للجمارك في الشهر الأول من العام الحالي أن إيراداتها من الرسوم الجمركية ستنخفض بمقدار 1.5 مليار ليرة في السنة الأولى فقط من تطبيق اتفاق الشراكة السورية الأوربية، هذا الانخفاض ناتج فقط عن تخفيض لرسوم الجمركية البالغة 3.5% إلى الصفر مباشرة عند تطبيق الاتفاق أما على مدار الـ12 عام الأخرى من الاتفاقية فقد قدرت الجمارك خسارتها من كامل الرسوم الجمركية بـ5 مليار ليرة ) ومن ناحية الإنفاق, فإن الأعباء ستتزايد على أموال الحكومة كنتيجة لإنفاق الحكومة على إعادة تأهيل الصناعات وتدريب القوى العاملة وأيضا بسبب تعويض الصناعات العاملة والخاصة التي ستتضرر من عملية الاندماج. ( وهذا مستبعد لأن اعتمادات الإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة انخفضت من 50% من إجمالي الموازنة عام 2003 إلى 47% عام 2004 ثم إلى 39% عام 2005 مما يؤكد تراجع رغبة الحكومة في الاستمرار بدورها الاستثماري العام )

الأثر التجاري:
يتوقع أن تفضي اتفاقية الشراكة المقترحة إلى زيادة مهمة في المستوردات السورية من الاتحاد الأوربي, مقابل زيادة معتدلة في الصادرات. وستكون زيادة المستوردات جزئيا على حساب المستوردات من بلدان أخرى وجزئيا كنتيجة لإزالة القيود الكمية والتعرفة العالية المفروضة حاليا على السلع الاستهلاكية. ومن المرجح ألا ترتفع الصادرات السورية إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ. ( على المدى الطويل سيكون الميزان التجاري السوري مؤهل بشدة لوقوعه في عجز تجاري مزمن مع دول الاتحاد الأوربي وخاصة في ظل تراجع دور النفط الذي يبدأ في عام 2015 أي مع اكتمال تطبيق اتفاق الشراكة فعليا )، وتضمن الاتفاقية استمرار تدفق المنتجات المصنعة السورية إلى الاتحاد الأوروبي (كما هو الحال منذ عام 1978), وكذلك دخولا جديدا إلى أسواق الدول العشر المنضمة حديثا إلى الاتحاد الأوروبي. لكن هذه الصادرات ستواجه معيقات العرض والطلب. فمن ناحية الطلب, يبدو أن مستقبل أسواق الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر تنافسية, نظرا لتخفيض الدول الأكثر رعاية للرسوم الجمركي في الاتحاد الأوروبي (بموجب اتفاقيات جولة الأوروغواي) وتفكيك اتفاقية الخطوط المتعددة MFA المتوقح اكتمالها هذا العام. كما ستواجه الصادرات السورية إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ 25 الحالية منافسة متزايدة من الأعضاء الجدد. إضافة إلى أن المنتجات الزراعية السورية لن تمنح دخولا مجانيا إلى أسواق في ظل اتفاقية الشراكة.أما من ناحية العرض, ستستمر الصادرات السورية في مواجهة العقبات لعدة سنوات بسبب غياب استراتيجية تصدير حكومية شاملة , وضعف المستوى التكنولوجي للصادرات وتدني مواصفاتها وضعف معرفة المصدرين السوريين بالأسواق العالمية وقوانين التجارة الدولية وقواعدها.( طالب مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات النسيجية الاتحاد الأوربي بضرورة تأمين مناخ المنافسة الصحيحة والسليمة ووقف حالات الإغراق الذي تمارسه بعض الدول الأوربية في مجال صناعة النسيج والألبسة وذلك خلال مؤتمر الحوار الأوربي المتوسطي حول مستقبل صناعة النسيج والألبسة الذي عقد في بروكسل منذ عدة أشهر )



الأثر على الصناعة التحويلية :
من غير المتوقع أن يستفيد القطاع الصناعي في سورية كثيرا في المدى القريب من زيادة فرص الدخول إلى أسواق الاتحاد , بل سيواجه منافسة متصاعدة من منتجات دول الاتحاد الحالي والموسع. ( كما سيشهد منافسة شديدة في تلك الأسواق من قبل الصين والهند ومصر ), لكن المنافسة المتزايدة ستؤثر على كامل الصناعة السورية, التي كانت محمية بشدة لسنوات ولم تخضع لأية عملية إعادة هيكلة رئيسية. وستخرج بعض الصناعات نهائيا من الساحة في حين أن بعضها الآخر سيخضع لتعديلات بنيوية جذرية. وفي كلتا الحالتين، هناك عمل ورأسمال سيدفعان تكاليف هذه التعديلات (حيث على العمل و الرأسمال أن يعيد توزعهما ), سيتعرضان لتخفيض الحماية وتزايد البطالة . إن الصناعات التي ستتأثر أكثر من غيرها هي الصناعات الأكثر حماية ( الثياب, المفروشات السيراميك والصناعات الغذائية ), تلك الصناعات الأقل تصديرا وصناعات القطاع العام عموما. وفي الوقت ذاته, ستنفتح فرص عمل جديدة نتيجة الاتفاقية, مما يعدل جزءا من الأثر السلبي على الشركات القائمة. من جهة أخرى ستساهم المساعدة الأوروبية في تخفيف الأثر المذكور.

2. التأثير على المدى الطويل
على خلاف الخسائر المتوقعة على المديين القصير والمتوسط, سيكون هناك فوائد على المدى الطويل,
وهي لا تتعلق بتخفيض التعرفة ( إزالة القيود التعرفية واللا تعرفية على التجارة ) بل بزيادة تدفق الاستثمار والأرباح الدينامية التي تأخذ شكل تعزيز الإصلاحات, وتنسيق المواصفات والمقاييس وغيرها, والتحسن على الصعيد فعالية الصناعة وزيادة المساعدات الأوروبية لسورية.

زيادة التدفق الاستثمار
تتمثل الفائدة الاقتصادية الرئيسية المتوقعة من اتفاقية الشراكة في زيادة تدفق الاستثمارات الخارجية وانتقال التكنولوجيا المرافق لها ( وقد لا يحصل ذلك )، ولاسيما توفر فرص التشارك الإنتاجي مع الخارج ( التصنيع لصالح الغير ). ( قد تفضل معظم رؤوس الأموال والمصانع المحلية وبسبب شدة النافسة الخارجية وعدم القرة على مواجهتا أن تتحول إلى مجرد حلقة في سلسلة الإنتاج الدولي على شكل مقاول داخلي فقط تنفذ ما يطلب منها لحساب الخارج وهذا ببساطة يؤهل لأن يزداد رأس المال المحلي ارتباطا بالخارج وتحديدا برأس المال الأوربي وبالتالي سيكون أضعف استقرارا وأشد تعرضا للصدمات الخارجية ) ويمكن لرتيبات التشارك الإنتاجي أن تقوم في منتجات المصنعة ( نسيج، جلديات، أثاث). وكذلك في الخدمات ( خدمات الدعم مثل الحسابات، التدقيق ، تطوير البرمجيات ) . وتسمح مثل هذه الرتيبات الخارجية بالاستفادة من أفضل التجارب في الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تعزيز المعرفة والمهارات لدى الشركات والعمال، وربط سورية بسلسلة العرض الدولية.
لكن التدفق الرأسمالي الخارجي إلى سورية مازال يوجه عوائق مثل:
أ – قصور المناخ الاستثماري – ب- دعم الاستقرار السياسي المحيط بسورية – ت- التحيز الموجود في البنية الثنائية لاتفاقيات الشراكة، والذي يقود إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الدول الاتحاد الأوربي أكثر من الدول المنفردة في جنوب والشرق الأوسط.
المكاسب الدينامية
تتمثل المكاسب الدينامية في:
- استمرارية الإصلاحات: يمكن للاتفاق أن يشكل أداة لاستمرارية الإصلاحات، ويحقق التوقعات ويعزز مصداقية الإصلاح. ويمك تغير انطباعات المستثمرين عن المناخ الاستثمار السوري.
- تحقيق التناسق في المعايير والمواصفات جودة المنتج التي تعطي المنتجات مزيد من الإمكانيات التسويقية في الدول الاتحاد الأوروبي. وهذا يؤدي إلى تكلفة اقل وعائدات أعلى للمسوقين.
- تحقيق التناسق مع الأنظمة التشريعية ومتطلبات الإدارية الموجودة في الاتحاد الأوروبي ( إجراءات الاختبار والتصدير، التوفيق المطلوب من قبل السلطات الجمركية .. الخ).
- تحسين الاتصالات والنقل، مما يزيد من كفاءة التجارة.
- تطبيق حقوق الملكية الفكرية والتجارية.
يمكن ترجمة ما تقدم إلى المكاسب في مجال القدرة التنافسية، وزيادة الصادرات تدفق الاستثمارات الخارجية. ومع ذلك، لابد من تأكيد على أن تحقيق هذه المكاسب الدينامية يحتاج إلى وقت لإرساء عواملها وإظهار نتائجها.

زيادة فعالية الصناعة
رغم الخسارة المتوقع على مدى القصير فإن القطاع الصناعي يمكن أن يشهد نشوء الصناعات، وقيام اتفاقات إنتاج مشترك، وزيادة ملحوظة في الفعالية على المدى البعيد نتيجة الانفتاح التجاري والنقل التكنولوجيا.


زيادة المساعدات السورية
تنص الاتفاقية على التزام الاتحاد الأوروبي بمساعدة سورية في جهودها الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وسيركز التعاون بين الطرفين على القطاعات التي تتأثر سلبا بالتحرير, وعلى تشجيع الإصلاح في كافة الميادين. كما سيشمل التعليم والتدريب المهني, والتعاون العلمي والتكنولوجي في الصناعة وغيرها من الحقول.

تأثير توسيع الاتحاد الأوروبي
يفتح توسيع الاتحاد الأوروبي أسواقا جديدة حرة بالنسبة للمنتجات السورية. لكن منتجات أعضاء الاتحاد الجدد ستدخل أيضا إلى أسواق سورية معفاة من الرسوم محدثة بذلك ضغطا تنافسيا جديدا على الصناعة المحلية. وفي الوقت ذاته, ستتنافس سورية (وبقية الشركاء المتوسطيين) من جهة والدول "المنضمة " من جهة أخرى على أسواق الاتحاد الأوروبي واستثماراته المباشرة. ومن المحتمل أن يسبب التوسيع انقلابا في موازين هذه المنافسة لصالح أعضاء الاتحاد الجدد, بسبب التزامهم بإصلاحات السوق, وتوفر البنية التحتية القوي, والمستوى المتقدم في التصنيع و التعليم, والعمالة الماهرة والرخيصة. إن تجارة الاتحاد الأوروبي وتدفق استثماراته يشهد, منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 تحولا متزايدا من دول الشراكة المتوسطية نحو دول شرق ووسط أوربا.

التقييم النهائي
كما هو الحال في الدول الشراكة المتوسطية الأخرى, سيسبب اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي بعض الخسائر المحققة المؤقتة للاقتصاد السوري على المدى القصير والمتوسط, وسيحقق فوائد على المدى البعيد. إلا أن الأرباح المحتملة أقل والتكاليف المتوقعة أكبر بالنسبة لسورية وذلك للأسباب التالية:
أولا: ستنضم سورية إلى مشروع اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية قبل قيامها بإصلاحات هيكلية ومؤسساتية لاقتصادها. بينما بدأت كافة دول الشراكة المتوسطية الأخرى بتنفيذ هكذا إصلاحات قبل انضمامها إلى مسار الشراكة. وفي حالة سورية, سيرتبط الاتحاد الأوروبي باقتصاد لم يلتزم بقوانين اقتصاد السوق حتى الآن ويعاني من عوائق جدية تتعلق بالعرض في القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد ومن وقيود مؤسساتية كبيرة. ( وفق المؤشر الدولي للحرية الاقتصادية لعام 2004 جاء ترتيب سوريا في قائمة الدول ذات الحرية الاقتصادية الضعيفة ولم يأت بعدها سوى ليبيا فقط كدولة ذات حرية اقتصادية ضعيفة جدا )
ثانيا: سورية دولية, "مواجهة " ولا تزال تعاني من مشكلات أمنية في جوارها. ولا تزال ملزمة بتخصيص جزء هام من مواردها لأغراض الدفاع في الوقت الذي يتوجب عليها القيام بتعديلات جدية في اقتصادها. كما أن هذا الوضع غير الآمن سيعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية.
ثالثا: وهناك أيضا مشكلة أخرى هي أن التأثيرات السلبية القصيرة و المتوسطة المدى لاتفاقية الشراكة ستبدأ بالظهور بالتزامن مع بدء مواجهة سورية لمشكلة التراجع الكبير في احتياطياتها النفطية, الأمر الذي سيؤدي إلى تدني إنتاج النفط وبالتالي انخفاض حاد في عائدات الخزينة.
متطلبات تحقيق الفوائد من الاتفاقية
لكي تستطيع سورية تقليص التكاليف على المدى القصير وزيادة المنافع على المدى الطويل, عليها أن تحقق أربعة عوامل:
1- إصلاح عميق للاقتصاد المحلي
يحتاج الاقتصاد السوري إلى إصلاح شامل للتغلب على مصاعبه الهيكلية, وانغلاقه, وهشاشته تجاه الصدمات الخارجية, وذلك بغض النظر عن اتفاقية الشراكة. ولكن التحديات والفرص التي تثيرها الإتفاقية المذكورة تزيد من ملحاحية هذه الإصلاحات. وينبغي على سورية أن تتحرك بقوة نحو إجراء إصلاحيات هيكلية وتغيير مؤسساتي من شأنه أن يزيد القدرة التنافسية لاقتصادها ويجذب المستثمرين من الخارج ( إن تنافسية الصناعة السورية في السوق الدولية هي تنافسية ضعيفة جدا ويمكن القول أنها معدومة وذلك بالاستناد إلى مؤشر التنافسية الدولية الذي صدر مؤخرا في عام 2004 والذي غطى 104 دول منها 7 دول عربية لا وجود لسوريا بينها على الإطلاق ). ومن الضروري تبني حزمة واسعة من الإصلاحات التي تؤدي إلى خلق مناخ مؤات يشجع القطاع الخاص ويعزز الكفاءة والمنافسة في مناخ مفتوح وإيجاد بنية مؤسساتية واضحة وتطوير السمة العامة للصناعات من القاعدة المتدنية التكنولوجيا إلى قاعدة ذات تكنولوجيا متوسطة على الأقل.
ولا يمكن تحقيق هذا البحر من التغيرات من خلال الخطوة خطوة التي جربت في السابق, بل من خلال برنامج إصلاحي عريض يتم وفق برنامج زمني دقيق, من شأنه معالجة نقاط الضعف الحالية في الاقتصاد. ومن بين الإصلاحات المطلوبة, كسر حالة الجمود في إنتاج جميع القطاعات, وتطوير القطاع الخاص, وإصلاح النظامين المالي والتعليمي, يتعين على سورية أن تأخذ زمام المبادرة بيديها وتقرير استراتيجيتها التنموية, واختيار طرق التكيف مع المشاكل الهيكلية والعقبات المؤسساتية, وكذلك التكيف مع التحديات والفرص التي تفترضها اتفاقية الشراكة, و إلا فإنها ستقع في فخ تبني برنامج إصلاحي تنموي ليس من إنتاجها ولا يستجيب لمتطلباتها.

2- التغلب على القيود المؤسساتية
تؤدي القيود المؤسساتية, والفساد وسوء الإدارة, وغياب المحاسبة, وضعفكم القانون, وعشوائية الضرائب والأطر التشريعية المعقدة والغامضة, إلى تأثيرات سلبية جدا على أداء الاقتصاد المحلي وعلى تدفق الاستثمارات الخارجية.
كل ما سبق يؤكد ضرورة الإصلاح المؤسساتي الواسع النطاق لزيادة فعالية الخدمات الحكومية والأهلية وكفاءة النظام القانوني وكذلك فعالية أسواق المواد والمنتجات. ومن الضروري أيضاً تعزيز الشفافية وانسجام الأطر التشريعية, وبناء الثقة بين الحكومة والمشاريع الاقتصادية. إن جميع العناصر المذكورة تزيد من الإنتاجية وتخفض من تكاليف النشاط التجاري والأوضاع الغامضة.
2- تعزيز التكامل جنوب – جنوب
إن التكامل جنوب – جنوب في سياق كل من مبادرة أغادير ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى, هو عنصر رئيسي في نجاح دول الشراكة المتوسطية في تحقيق كامل الفوائد من اتفاقية الشراكة. كما أنها بحاجة لاحتواء التأثيرات الضارة الناتجة عن اتفاقية الشراكة مثل عامل " المركز والأطراف " الذي يعمل لصالح توطين الإستثمارت الجديدة في الإتحاد الأوروبي وبما أن القسم الأكبر من تجارة سورية ( عدا النفط ) يتم مع الدول العربية فإن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى مهمة للغاية في تخفيف آثار المركز والإطراف, كما أن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تضم دول الخليج العربية الغنية ذات أهمية خاصة أيضاً وذلك لسببين: إنها سوق للصادرات ومصدر لرأس المال. يجب على سورية أن تبني موقعا الخاص ضمن إطارها الإقليمي المباشر, وذلك بالاعتماد على إمكانياتها الزراعية وميزة أجورها الرخيصة, ( علما أن الأجور الرخيصة لم تعد من المزايا الاقتصادية الجاذبة لأنها لا تعبر عن إنتاجية ومهارة عالية ) وعليها أن تحاول تلبية حصة كبيرة من طلب المنطقة على الأغذية والصناعات الغذائية والنسيجية .
ويشكل العالم العربي, ودول الخليج خصوصاً, المنفذ الأكثر فرصاً للصادرات السورية ( الزراعية والصناعية ) لموازنة الزيادة الحادة المتوقعة في مستورداتها من الإتحاد الأوروبي. إن حاجة سورية إلى التكامل ضمن "غافتا " أشد إلحاحاً على سبيل المثال من دول المغرب العربي, التي يجعلها عامل القرب من الإتحاد الأوروبي قادرة على التعامل بما يزيد على 60% من تجارتها ( غير النفطية ) مع الإتحاد الأوروبي . إن تجارة سورية مع الدول العربية ( معظمها نسيج وزراعة ) أكبر من تجارتها مع الإتحاد الأوروبي ( عدا النفط ). وصادراتها إلى جيرانها أكبر من صادراتها إلى الإتحاد الأوروبي ( عدا النفط ). كما أن سوق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى يساعد على الاستثمارات الخاصة ضمن المنطقة أيضاً ( من الدول الغنية بالرساميل إلى الدول الفقيرة بها ) إضافة إلى جذب الرأسمال من خارج المنطقة.
ورغم أن أياً من إطاري التكامل ( منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والشراكة الأورومتوسطية ) لن يستطيع بمفرده مساعدة سورية على الاندماج في الاقتصاد العالمي, فإن إجتماعهما قد يساعد على تحقيق هذا الهدف, عبر إيجاد السواق التصديرية, وجذب الاستثمارات الأجنبية وبناء الروابط مع سلاسل العرض العالمية, ومكامن التكنولوجيا في العالم.
4- التزام أعمق من الإتحاد الأوروبي بتعزيز التقارب
لا يهدف مشروع الشراكة الأورومتوسطية إلى إرساء التقارب بين الشمال والجنوب في حين يقود توسيع الإتحاد الأوروبي في نهاية المطاف إلى تقارب بين الإتحاد الأوروبي الحالي والدول المنضمة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تهميش دول المتوسط الجنوبية ويجازف بتحول علاقتها مع الإتحاد الأوروبي على المدى الطويل لتصبح علاقة تبعية أكثر منها علاقة شراكة, ولتجنب هذه المخاطر ينبغي على الإتحاد الأوروبي ودول المتوسط الجنوبية العمل معاً لإكمال تأثير قوى السوق عبر التدخل المباشر لتحقيق التقارب , ولكن يجب أن يترافق التزام ا لاتحاد الأوروبي بالتقارب مع التزام دول جنوب المتوسط بالإصلاح الاقتصادي والهيكلي الشامل .
وقد أطلق الإتحاد الأوروبي, بعد إدراكه لهذه المخاوف، " سياسة الجوار " في أوائل عام 2003 . وتهدف تلك السياسة بالنسبة لبلدان الجنوب إلى تعميق العلاقات على المدى المتوسط والطويل ( بالمعنى الواسع للعبارة ) وتقريب البلدان باتجاه السوق الواحدة. وهذا يتطلب تعميق التكامل الاقتصادي, وتكثيف العلاقات الثقافية والسياسية, وتعزيز التعاون عبر الحدود وتقاسم المسؤوليات تجاه درء النزاعات ؟, فيما بين الإتحاد الأوروبي وجيرانه

ملاحظة ختامية:
إن اتفاقية الشراكة تقدم في التحليل الأخير فرصة لسورية كي تندمج في الاقتصاد العالمي ويكمن أن تلعب دور الرافعة في تسريع الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية الضرورية في مجال اقتصاد السوق. لكن المهمة ضخمة, والمخاطر السياسية والاجتماعية كبيرة. وسورية هي التي ستحدد وتختار الوتيرة المناسبة ومزيج السياسات الملائم الذي من شأنه تعظيم فوائد اتفاقية الشراكة والإصلاح الذي تقتضيه وتقليل مخاطرها

أيهم أسد. مجلة تكنولوجيا الصناعة. العدد صفر. آذار 2005

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.